نصف.. يرنو إلى تمام الإنصاف
يحتفل العالم في الثامن من مارس من كلّ سنة باليوم العالمي للمرأة الذي يعدّ مناسبة للدفاع عن حق المرأة في المساواة مع الرجل. وتنتظم احتفالات هذا العام تحت شعار ''نطمح للمساواة، نبني بذكاء، نبدع من أجل التغيير''.
ومثل غيرها من بلدان العالم تحتفل تونس بهذه المناسبة التي تمثّل فرصة للإحتفاء بإنجازات تمّ تحقيقها في سبيل تحقيق المساواة التامة بين الجنسين، كما تمثل فرصة للتذكير بنقائص عديدة في حاجة لمجهودات جبّارة من أجل بلوغ المساواة وانتفاء أشكال التمييز.
وقد تعزّزت حقوق المرأة في تونس منذ الإستقلال بسنّ قوانين تعكس مكانتها في المجتمع وكرّسها دستور الجمهورية الثانية الذي نصّ على المساواة التامة في فصله الـ 21 بين جميع المواطنين. ولكن الصورة التي يتم تسويقها عن المرأة في تونس قد لا تعكس واقعها وتحجب العديد من الحقائق عن التمييز الذي تتعرّض إليه مقارنة بالرجل في عدّة مجالات والإنتهاكات التي تطالها إمّا لغياب التشريعات الضرورية أو لعدم وجود إرادة سياسية حقيقة لتغيير هذا الواقع، حسب ما يؤكّده ملاحظون.
مجلّة الأحوال الشخصية: الإنجاز المنقوص...
ورغم التقدّم الذي حقّقته المرأة التونسية بفضل عدة تشريعات أبرزها مجلّة الأحوال الشخصية التي تمّ اصدارها في أوت من سنة 1956 ضمن مسار اصلاحي انطلق قبل الإستقلال مع الطاهر الحداد وغيره من المثقفين، إلاّ أنّ ملاحظين يعتبرون أنّ هذه المجلة في حاجة إلى المراجعة لأنّها لم تعد تتلاءم مع واقع المرأة في تونس وهي تحمل عدّة أوجه تمييز أبرزها في مجال الميراث.
وفي هذا الخصوص، تقول رئيسة جمعية النساء الديمقراطيات يسرى فراوس إنّ عدم المساواة في الميراث يؤدي إلى تفقير النساء اللاتي تعتبرن الأقلّ مواردا في تونس مقارنة بالرجال.
مبادرة حول المساواة في الميراث
ويشار إلى أنّ رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي قدّم مبادرة تشريعية للمساواة في الميراث بين الجنسين وذلك تطبيقا لمبدإ المساواة الذي نصّ عليه دستور جانفي 2014، وقد مثّل ذلك موضوعا للتجاذبات بين من يرى بأنّ ذلك مخالف للشريعة الإسلامية ومن يرى بعكس ذلك.
ولا يقتصر التمييز على الميراث بحسب فراوس، فقانون الجنسية يحمل وجها آخر من أوجه التمييز بين الجنسين اضافة إلى قانون الشغل وغيره من القوانين والتشريعات.
حماية المرأة من العنف: قانون مهمّ تنقصه الآليات
وإعتبرت أنّ هذا "التمييز القانوني" يمثّل أحد المبرّرات التي تساهم في إنتشار العنف ضدّ النساء وفق تقديرها. وأوضحت أنّه ومنذ صدور القانون الأساسي عدد 58 لسنة 2017 الذي يتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة ارتفع الوعي بوجود اطار قانوني يحمي النساء، ولكن من المهم ايجاد قوانين أخرى تنسجم مع هذا القانون وتوفير البنية التحتية والآليات الكفيلة بحسن تطبيقه.
تنكر للكفاءات النسائية وتعميق النظرة الدونية
من جهة أخرى، نبّهت منظّمات من المجتمع المدني في رسالة مفتوحة إلى الرئاسات الثلاث إلى خطورة استغلال حقوق النساء في رهانات أو مساومات انتخابية لا غير، مذكّرين بأنّ المساواة وتكافئ الفرص وعدم التمييز يجب أن يكون قاسما مشتركا لكل فئات الشعب التونسي طبقا للدستور.
وانتقدت ''تواصل تغييب النساء من مواقع القرار''، معتبرة أنّ ذلك يُعدّ تنكرا واضحا للكفاءات النسائية التونسية وتعميق النظرة الدونية للمرآة وهو ما لا يساهم في تغيير العقليات ولا السلوكيات كما يتعارض مع إقرار مبدإ التناصف صلب القوانين الانتخابية .
المرأة الريفية: الحلقة الأضعف
كما تمثّل الحقوق الإقتصادية والإجتماعية للمرأة أحد وجوه مظاهر انعدام المساواة وخاصة في الأرياف، حيث تشكّل النساء الريفيات الحلقة الأضعف في المجتمع نظرا لما تعانينه من تهميش داخل محيطهن إضافة إلى عدم تعامل السلطات مع وضعيتهن بالجدية المطلوبة أمام الإنتهاكات التي تتعرّضن إليها وخاصة بالنسبة إلى العاملات في المجال الفلاحي اللاتي يتمّ تشغيلهن في ظروف مهينة بأجور بخسة دون أن يتمتّعن بأي تغطية صحّية أو إجتماعية.
التفاوت بين الجنسين واقع مثبت بالأرقام
وتشير الأرقام الصادرة عن المؤسسات الرسمية في تونس إلى وجود تفاوت كبير بين الرجل والمرأة التي تمثّل نسبة 50.3 بالمائة من مجموع السكان.
الأمية : تبلغ نسبة الأمية لدى النساء ضعف النسبة المسجّلة لدى الرجال حيث تبلغ 25.7 بالمائة مقابل 12.9 بالمائة لدى الرجال.
إحتكار الرجل لرئاسة العائلة: وتشير الإحصائيات إلى تواصل إقصاء المرأة من رئاسة الأسرة مقابل سيطرة رجالية، اذ لا تتجاوز نسبة الأسر التي تترأسها 14 بالمائة.
التشغيل: ثلث للنساء مقابل ثلثين للرجال
لا تزيد نسبة النساء النشيطات عن 28.7 بالمائة على المستوى الوطني حسب الإحصائيات الصادرة في 2017، ولم تتغيّر هذه النسبة تقريبا خلال العشرية الأخيرة، ولكنّها ترتفع في بعض المناطق لتصل إلى نحو 35 بالمائة بمنطقة الشمال الشرقي فيما تنخفض إلى 26.5 بالمائة بالجنوب الشرقي.
ورغم أنّ نسبة خريجي التعليم العالي من النساء أعلى مقارنة بالرجل، حيث تبلغ 68.4 بالمائة إلاّ أنّ هذا التفوق العددي لخريجات التعليم العالي لا ينعكس على التشغيل، فنسبة البطالة في صفوف هذه الفئة أرفع من الرجال.
تفاوت الدخل الشهري: وتظهر الإحصائيات (1997 - 2012) اتساع الفجوة في معدّل الدخل الشهري بين الذكور والإناث لتصل إلى 40.4 بالمائة في قطاع الخدمات.
البطالة: تفوق البطالة في صفوف النساء نسبة البطالة في صفوف الرجال حيث تبلغ 22.2 بالمائة (سنة 2015) مقابل 12.4% بالنسبة للذكور.
حضور المرأة في سوق الشغل لم يشذّ عن "قاعدة'' اللامساواة
يمثّل تواجد المرأة في سوق الشغل أحد أبرز أوجه تطوّر المجتمع التونسي ولكنّ حضورها ما يزال ضعيفا خاصة في بعض القطاعات مقارنة بالرجل بإستثناء قطاع التربية الذي تتجاوز فيه عدد النساء عدد الذكور.
في القطاع الصحي
طبيبات: 39 بالمائة
صيدلانيات: 36 بالمائة
بيطريات: 30 بالمائة
المهندسات: يمثّلن 28.5 بالمائة من إجمالي المهندسين.
التعليم العالي: تفوق نسبة أساتذة التعليم العالي الإناث برتبة مساعد ومساعد تكنلوجي نسبة الذكور في حين أنّ نسبتهنّ في الرتب العليا لا تتجاوز 27 بالمائة (أستاذ تعليم عالي وأستاذ محاضر).
مدرسات التعليم الإبتدائي و الثانوي: يمثّلن 53 بالمائة من العاملين في القطاع خلال السنة الدراسية 2014-2015.
التعليم الإبتدائي: 59.1 بالمائة من اجمالي المدرسين في السنة الدراسية 2014 – 2015
القضاء: تبلغ نسبة القاضيات التونسيات 39.1 بالمائة خلال السنة القضائية (2014 - 2015) وتتجاوز نسبة ملحقات القضاء نسبة الذكور اذ تبلغ (55.3 بالمائة).
النساء صاحبات الأعمال: 19 ألف امرأة
في القطاع الفلاحي: تتكوّن اليد العاملة الأجيرة والقارة في القطاع الفلاحي أساسا من الذكور في جميع الولايات بإستثناء ولاية قابس في ما يخصّ اليد العاملة القارة، فيما ترتفع نسبة الأجيرات الفلاحيات اللاتي تعملن بصفة وقتية خاصة بولايتي سيدي بوزيد (66.2%) وسليانة (59.6%).
حضور المرأة السياسي بالأرقام
مجلس نواب الشعب:
تمثل المرأة 35.94 بالمائة في مجلس نواب الشعب بـ 78 نائب إمرأة من بين 217 نائبا ما جعل تونس تصنف في المرتبة 27 عالميا على مستوى تمثيلية المرأة في البرلمان.
في الحكومة:
لا تتجاوز نسبة الوزيرات في حكومة يوسف الشاهد الحالية عُشُر عدد الوزراء، 3 وزيرات وكاتبتا دولة من بين أعضاء حكومة تتركب من 30 وزيرا و 11 كاتب دولة. ولم تتقلد المرأة في تونس عبر تاريخها أيا من الحقائب الوزارية السيادية.
إعداد: شكري اللّجمي
_______________
* مصادر الإحصائيات الواردة في هذا المقال:
المعهد الوطني للإحصاء
مركز البحوث والدراسات والتوثيق والإعلام حول المرأة (الكريديف)
الإتحاد الوطني للمرأة التونسية